في الأخبار أن إحدى المستشفيات الخاصة تحفظت على مريض يدعى علاء الحلبي لأنه لم يتمكن من دفع فاتورة العلاج، وهذا التحفظ الذي يشبه الاعتقال استمر لأكثر من عشرين يوما، الخبر انتهى هكذا دون أن نعلم عن قيام جهة ما بإصلاح هذا الخلل وكأن المستشفيات الخاصة تتحول في لحظة من مكان لإنقاذ الأرواح إلى مكان لسلب الحرية ، فهل هذا بعض من القطاع الخاص الذي نواصل الليل بالنهار ذودا عن حياضه؟.
اشعر بالرعب كلما قرأت خبرا أو استمعت إلى إحدى الإشاعات الواقعية عن إخلاء المسؤولية الرسمية من قطاع ما لان الإخلاء يعني، في المحصلة، ترك هذا القطاع نهبا لذلك البعض من رأس المال الذي يعيث به تطويرا ، ولان راس المال يمتاز بخصيصتين: الجبن والتوحش فطبيعي أن نهيئ السمع والبصر من الآن وصاعدا لاستقبال الأخبار والمشاهد التي تشبه حال علاء الحلبي.
لست سوداويا ولا ينبغي لي أن أكون كذلك لكن غياب التقاليد الإنسانية عن بعض رأس المال ''الوطني'' والعابر للحدود وضمور مسؤوليته الاجتماعية وتردي حساسيته الأخلاقية تجعل المراقب يخشى من عقابيل التوسع في الخصخصة وانسحاب الدولة من القطاعات الاقتصادية.
لا نضيف جديدا إن قلنا بان الخصخصة هي الايدولوجيا المنتصرة في عالمنا الراهن حتى غدت الآن الدين الرسمي الجديد لهذا العصر، لكن التورط باعتناقها دون ضوابط من المسؤولية الاجتماعية تعني في النهاية ترك بعض الأقوياء ليفتكوا بالضعفاء تحت ذريعة عدم التدخل في قوى السوق.
هناك من يقف على يمين الحكومة متهما موازنتها بأنها موازنة رفاه اجتماعي لأنها أخذت على عاتقها حزمة من الإجراءات والخطط والبرامج التي من شأنها تشكيل شبكة أمان لمحدودي الدخل وكأن ترك محدودي الدخل في مهب الريح متطلب سابق للحداثة وجواز سفر للحاق بركب الدول المتطورة.
في ثقافتنا الدينية نقول: يد الله مع الجماعة وفي ثقافة السوق يقال أن يد ادم سميث الخفية قادرة لوحدها على تعديل الاختلالات في توازن القوى في السوق فأي اليدين نختار؟.
ثمة بعض القوى متسلحة بنفوذ مالي كبير وبغطاء دولي اكبر تضغط على خاصرتنا لكي نقدم المزيد من التنازلات لسدنة الدين الجديد فلا تريد أن ترى ظلال الدولة في أي قطاع حتى أنها تواصل كل أنواع الضغوط بما فيها الضغط العقاري لكي تصبح يد ادم سميث الخفية هي اليد الوحيدة التي تتحكم بقوى السوق.
نحتاج إلى حزمة من التشريعات والقوانين الصارمة والمشفوعة بإرادة سياسية نافذة لدى السلطة التنفيذية بهدف ضبط إيقاع سلوك راس المال وتعمق قيم المسؤولية الاجتماعية لديه وبغير ذلك فإننا سنعتاد على المرور بتجربة علاء الحلبي.
نقلا عن الراي الاردنية