من أهم مفاتيح النجاح هو تحديد الهدف. من المعلوم أن علم التطوير الذاتي ما زال حديث عهد بالبيئة العربية، رغم أن الغرب قام ببلورته منذ زمن بعيد. ومن مبادئ هذا العلم، أنك لكي تحقق النجاح، فلابد أن تحدد هدفك بوضوح وبدقة، وأن تضع الزمن المناسب لتحقيق هذا الهدف. ولكي يكون الهدف قابلا للتحقيق، فلابد أن يكون واقعيا، متناسبا مع قدراتك.
وقال لاعب فريق اليانكيز (نيويورك) للبيسبول ومديره ذات مرة: " إن كنت لا تعرف هدفك، فسوف تصل إلى طريق آخر – لا ترغب فيه "!! وتخيل معي لاعبان في مباراة لكرة القدم، نزل أحدهما إلى الملعب، وهو لا يفكر إلا في تسجيل هدف، فكلما جاءته إحدى التمريرات من أي زميل له، فهو يصوبها إلى مرمى الخصم، وأما الآخر، فنزل إلى الملعب وكل هدفه مراوغة لاعبي الفريق الآخر، فكلما جاءته إحدى التمريرات من زميل له، أخذ يراوغ كل من يقابله من لاعبي الفريق الآخر! فأيهما ينجح في الوصول إلى مرمى الفريق الآخر وينجح في تسجيل الهدف؟ وأيهما يكون أكثر شهرة وشعبية من الآخر؟ بالطبع اللاعب الأول، الذي وضع في اعتباره تسجيل الهدف، وكرّس لعبه لتحقيق هذا الهدف!!
وتخيل أيضا سفينة تسير في البحر، ثم قامت عاصفة شديدة، أعقبها هطول أمطار كثيفة، فأخذت الأمواج تتجاذبها بشدة من كل مكان، وأصبحت السفينة مثل ورقة صغيرة في مهب الريح! إن البوصلة في هذه الحالة هي التي ستنقذ السفينة من الضياع. إن هدفك هو هذه البوصلة الذي يجب عليك تحديده والتمسك به. فكما تهدي البوصلة ربان السفينة لكي ينقذ سفينته من الضياع وسط ظلام الأمواج المتلاطمة والرياح العاتية والأمطار المنهمرة، فإن هدفك هو الذي يحدد لك الاتجاه الصحيح الذي يجب عليك السير فيه!!
وتذكر دائما، أنه: " إذا كانت لك غاية، فلن تعدم الوسيلة المناسبة لتحقيق تلك الغاية ". وتذكر مقولة نابليون بونابرت: " إن الرجل الذي عقد النية على الفوز، لا ينطق بكلمة مستحيل ". ومعنى عقد النية على الفوز هنا: أي حدد هدفه، وتحرك في سبيل تحقيقه!! ويقول فرانكلين روزفلت في هذا الصدد: " تحديد أهدافك ثروة لا تقدر بثمن، لأن فيها تحديد لحياتك كلها ".
ومن التجارب الطريفة مع موضوع تحديد الهدف، أنني كنت أنصح أحد الزملاء ذات مرة بضرورة تحديد هدف له في الحياة. وفوجئت به يحكي لي عن تجربته، فقال:
كان كثير من زملاء الدراسة يحثونني على ضرورة تحديد هدف، مع ضرورة كتابته. ولم أكن ألتفت لهذا الأمر ... إلى أن فكرت ذات مرة، وقلت لنفسي: ولمَ لا أحدد لنفسي هدفا مكتوبا؟ وقد كان، فكتبت في ورقة صغيرة: هدفي أن أكون الأول على دفعتي. ووضعت هذه الورقة فوق مكتبي. فكنت كلما أردت أن التفت عن المذاكرة إلى شيء آخر، أجد هذه الورقة أمام عيني، فأقول في نفسي: من أراد أن يكون الأول، فعليه بعدم اللعب، والاهتمام بالمذاكرة ... فأعود إلى المذاكرة ثانية ... إلى أن جاءت الامتحانات، ثم ظهرت النتيجة، وكنت بالفعل الأول على دفعتي!!!
واترك إحدى الأخوات تعبر عن نفسها مع تحديد الهدف الخاص بها: عزمت يوما ما على تحديد الهدف الذي لم أكن والله يوما ما أحلم أو أفكر به ... لكن فجأة - وبعد رؤيا عظيمة رأيتها - قررت أن أحفظ القرآن! ووضعت نصب عيني بأن أبدأ مع هدفي، ولكن كيف؟ وفجأة أحسست بأن هناك إرادة وعزيمة قوية لم أكن أعرفها من قبل، وقررت حينها أن أحفظ كتاب الله مع التفسير, ووضعت خطة أسبوعية بأن لا يقل حفظي في الأسبوع عن حزب كامل مع التفسير, وأن أترك الكتابة والمطالعة التي كانت كل هدفي وطموحاتي, وبحمد الله استطعت أن أصل إلى هدف رسمته بفضل من الله ونعمة كبيرة عليّ, وأسأل الله أن يثبته في قلبي قولا وسلوكا وعملا. فالإرادة والعزيمة والإيمان بالله والتوكل عليه هي أهم مفاتيح النجاح!!!
وتذكر دائما: أنه إن لم يكن لك هدف محدد خاص بك، فسوف تعيش في أهداف الآخرين!!! فلماذا تترك نفسك فريسة لسيطرة الآخرين عليك، دون أن تقوم أنت بالسيطرة على نفسك بتحديد أهدافك؟ إن المرؤوسين الذين يعيشون في خنوع، يرددون مقولة " أنا عبد المأمور "، ليسوا في واقع الأمر إلا فاشلين، لأنهم لم يحددوا لأنفسهم أهدافا، وتركوا الأمور لمدرائهم يفعلون بهم ما يشاءون. أما الإنسان الذي لديه هدفا واضحا، فلن يرضخ لأية رغبة غير صحيحة، طالما لا تتماشى مع هدفه الذي يريد تحقيقه!!
يقول علماء التطوير الذاتي: قلما نجد من قام بتحديد هدفه، وفشل في تحقيقه!! أما بدون الإحساس بالهدف، فإننا ضائعون. فهذه دعوة للجميع، ومن الآن، بكتابة الهدف الذي يسعون إلى تحقيقه، والاستعانة بالله على ذلك، وسوف يحقق الله هذه الأهداف ما دامت النوايا خالصة لوجهه الكريم، بإذن الله.
ومن المستوى الفردي إلى مستوى المؤسسات والمنظمات. فأي مؤسسة أو منظمة – سواء عامة أو خاصة أو غير هادفة للربح – لابد لها من تحديد الهدف من وجودها بدقة، حتى تستطيع البقاء في السوق ومنافسة غيرها من الشركات! ولننظر مثلا إلى بعض من المؤسسات العامة القائمة الآن، نجد أنها فقدت الهدف الذي أنشئت من أجله، ولذلك فلم تعد تقوم بالدور الذي كان مرسوما لها القيام به وقت إنشائها! وهذا ما يحتم على مثل هذه المؤسسات أن تقوم بإعادة صياغة هدفها وطبيعة الدور الذي يجب لها أن تقوم به – إذا أريد لها البقاء في عالم الوجود!!
فلا يعقل أن تكون المؤسسات التي قامت لتخدم أهداف النظام الاشتراكي مثلا في إحدى الدول، أن تظل موجودة، وتحت نفس المسمى، إذا ما قامت الدولة بتغيير نظامها إلى النظام الرأسمالي مثلا!! فإذا كانت الدولة قد أنشأت بنكا – على سبيل المثال – لتمويل استثمارات الخطة الخمسية، وقت أن كانت تنهج مبدأ التخطيط المركزي، فمن غير المعقول أن يظل هذا البنك موجودا، دون تغيير مسماه أو الهدف من وجوده، إذا ما انتهجت الدولة العمل بمبادئ السوق الحر!! وإذا كان أحد الأجهزة قد أنشئ " للتعبئة العامة " وقت أن كانت الدولة تسير بمبدأ التخطيط المركزي، فلا يعقل أن يظل هذا الجهاز في ظل العمل بمبادئ السوق الحر تحت نفس المسمى أو الهدف!!! وهكذا!
نخلص من هذا أن القائمين على المؤسسات - على مختلف أنواعها – يجب أن يقوموا بتحديد دقيق للهدف المنوط بها، من أجل أن يتضح للعاملين طبيعة الدور الذي يكون عليهم القيام به، في سبيل تحقيق هذا الهدف.
أما في حالة عدم القيام بذلك، فلا ينتظر من أية مؤسسة تحقيق أي هدف منها يسهم في عملية التنمية التي تضطلع بها الدولة، بل ومن الممكن أن يكون دورها معوقا لعملية التنمية هذه. كما أن ذلك سيدفع كل فرد من موظفي المؤسسة – وبسبب من غياب الهدف العام لمؤسستهم – إلى السعي لتحقيق أهدافهم الخاصة على حساب أهداف المؤسسة ككل!! كما أن غياب الهدف يؤدي لتزايد الفساد، حيث لن يكون معلوما الهدف الحقيقي من عمل المؤسسة، ومن هنا فلن يخضع هذا العمل لمعايير المحاسبة والمساءلة.
وفي النهاية لي رجاء منك أيها القارئ الكريم: إذا لم تكن صاحب هدف، ودفعك هذا المقال لكتابة هدفك، ونجحت في تحقيقه، أو إذا كانت لك تجربة مفيدة قد قمت بها من قبل تتعلق بتحديد هدفك ونجاحك في تحقيقه، فلا تبخل في الكتابة لي بتفاصيل ذلك، حتى ننشر تجربتك وتشجع الآخرين على أن يحذوا حذوك!!
محمد يوسف