متحف الآثار الأردني على قمة جبل القلعة يروي مع الجبل حكاية حضارات قديمة سادت الأردن ويشهدان معا على تاريخ عريق مفعم بالحضارة وتجلياتها. مقتنيات المتحف من الآثار العريقة التي يعود تاريخ بعضها الى العصر الحجري القديم فيما ينتمي بعضها الآخر الى عهد الروم مرورا بالعهد الاموي الذي يعتبر جزءا أصيلا من التاريخ الاسلامي للشرق الاوسط بأسره والى العصر المملوكي.
يقع بناء المتحف الذي أقيم في العام 1951 على قمة جبل القلعة الغني ببقايا الآثار الرومانية والإسلامية التي تشكل مع محتويات المتحف نفسه متحفا كبيرا وثريا وتقص على الزائرين إحدى حكايات التاريخ الأردني الموغل في القدم وتعرفهم أثناء جولتهم في المكان على مراحل التطور الحضاري التي مر بها الأردن حيث تشكيلة متنوعة من الآثار والمقتنيات التاريخية من أبرزها مجموعة تماثيل حجرية تصور أجسادا بشرية وتعود الى عام 8000 قبل الميلاد وتعد اقدم تماثيل لأشكال آدمية في تاريخ الحضارة الانسانية وهي من أهم موجودات المتحف كما تثير في نفوس المشاهدين هيبة التاريخ وشيئا من معنى الخلود..ومن أبرز المعروضات كذلك مخطوطات البحر الميت التي كتبت على لفائف من جلد “الماعز” وتتضمن اقدم نصوص التوراة وقد اكتشفها أحد الرعاة صدفة داخل جرار في حد كهوف منطقة (قمران) شمال غرب البحر الميت أما بقية المخطوطات فلا تزال محفوظة في متحف اللوفر الفرنسي وفي مدينة القدس المحتلة.
وفي هذا المكان تمتزج الحضارة بالثقافة والتربية والتعليم والترفيه، إذ يعرض كل ما يتعلق بالانسان في هذه المنطقة وبيئته ومراحل تطوره من خلال الأدوات والاواني الفخارية والتماثيل والصور والكتابات التي تحكي للمشاهدين تاريخا طويلا غنيا يمتد من العصر الحجري القديم الى العصر المملوكي. ومن موقع المتحف تبرز غالبية معالم مدينة عمان الحديثة في مزيج مدهش بين الروح العصرية المتمثلة بالمحلات التجارية الراقية والمنازل والدارات والفنادق الفخمة التي تطل على الموقع من الجبال المقابلة وبين الأصالة التي يجسدها المدرج الروماني وسبيل الحوريات والمسجد الحسيني الكبير وبقايا معبد هرقل وأسوار القلعة الرومانية والقصر الاموي على جبل القلعة.
جبل القلعة يجسد مدينة عمان القديمة التي تشكل اليوم أجزاء من العاصمة الأردنية التي سميت قديما (ربة عمون) وكانت مأهولة منذ عام 8300 قبل الميلاد. لا يزال هذا الجبل ينام على آثار لم تكتشف بعد ويتطلب استكشافها جهودا وامكانات مالية كبيرة ومع ذلك فإن فرق التنقيب عن الآثار تعمل داخل الموقع لاكتشاف المزيد من أسرار الماضي العريق لهذا المكان.
وتحيط الأودية بالموقع من ثلاث جهات أما الجهة الرابعة من الجبل فهي سور من الحجارة الضخمة التي تقول الاكتشافات الأثرية انه بني في العصر البرونزي. ينم بناء القصر الذي أقيم على بقايا قلعة رومانية قديمة مستخدما حجارتها في البناء عن براعة هندسية عربية تضاهي الهندسة الحديثة وبخاصة بناء نظام ري متقدم يعتمد على تجميع مياه الأمطار في قنوات حجرية تصل إلى آبار وخزانات تحيط بالقصر ولا تزال صالحة للاستخدام حتى اليوم.
ولا يزال القصر محتفظا بحيوية معالمه وهو بناء مربع يمتد من الشرق إلى الغرب وينتصب ايوانان على كل طرف من محور القصر تعلو كل ايوان نصف قبة بينما تقوم بوابتان على المحور الثاني للقصر وتفضي البوابة الجنوبية إلى ساحة مركزية مكشوفة بينما تنفتح البوابة الشمالية على ساحة مربعة أقيمت عند مدخل القصر.. كما يضم بناء القصر حجرات مستطيلة مسقوفة ومزخرفة بصور الورود وأوراق النباتات وتزين جدرانه شبابيك ذات أقواس وأعمدة وفوقها عتبات تحمل كل منها نافذة أخرى على النحو نفسه لكن بأقواس اصغر وأعمدة اقصر على طراز مسجد قبة الصخرة المشرفة في القدس ما يرجح أن البناء شيد في العهد الأموي.
__________________