هذه المرة..
هذه المرة ، تأخذنا سلسلة"حكايات لايعرفها احد"الى موقع جديد ، من مواقع الفقر والمرض واليتم ، تلك "السلسلة"التي جابت كل واد غير ذي زرع ، ضربت بقدمها الارض ، فكان "زمزم العطاء"في ذاك الوادي ، حين تشرب الشفاه التي تشققت ، بعد ان تاه اصحابها ، في سيناء التيه ، لاربعين ، حتى شاء الله امرا كان مفعولا.
هذه المرة..
هذه المرة ، تولي "حكايات لايعرفها احد"وجهها نحو قبلة ترضاها ، فمن عجلون التي كنا فيها قبل اسبوعين ، نرتحل اليوم الى مخيم حطين ، القريب من عمان ، وفي مخيم حطين ، نقرأ الوجوه المتعبة ، عبر الطرقات الضيقة ، طرقات المخيم ، التي نسمع فيها اصوات ، من عبروا ، واصوات من رحلوا ، واصوات من انتظروا ، وخلف بوابات المخيم ، حكايات تستحق ان تروى ، حكايات لايعرفها المارون ، ولاالعابرون ، ويعرفها فقط ، من عاش في اي مخيم ، حين يكون المخيم ، حكاية بحد ذاته ، وحين يكون اطفال المخيم ، من عالم اخر ، فيه يعيشون وهم يسألون..الى متى بيوت الصفيح ، وغرق الصغار في الوحل حين سقوط المطر.
هذه المرة..
نذهب ، الى بيت من بيوت الايتام ، في مخيم حطين ، نجوب الصخر والواد ، حروفي سماوية ، وفيها سر نون والقلم وما يسطرون ، منذ ان كانت الى ماتصير اليه ، هناك في المخيم ، تغيب الشمس ، بعد مرورها السريع على المخيم ، وكأن للشمس ، موقف مسبق من المخيم ، باعتبار ان شروقها ، لايستفيد منه المخيم..فالشبابيك مغلقة ، والازقة ضيقة جدا ، وتلامس الشمس سقوف المنازل ، دون الوجوه...فتشعر بالاحباط وتغادر سريعا ، الى اي مكان اخر..حتى سكان المخيم ، لايودعون الشمس..لايلوحون لها بأيديهم ، ينظرون اليها وقد غشيهم السؤال..حول حالهم ، ويقولون للشمس ، لاتعودي ابدا ، فمازلنا بانتظار الشروق ، ذاك الشروق الموعود ، حين تبددين ايها الشمس ، رطوبة فراش اطفالنا ، وتطردين النوم من عيوننا ، وتسلبين اللصوص القدرة ، على النوم في جفون عيون اطفالنا.
كل الدروب تقودك الى المخيم
كانت الساعة تشير الى الخامسة مساء ، من مساء الخميس ، اي قبل يومين ، واليوم هو يوم عطلة رسمية ، غير ان هذه المهنة ، اي مهنة الصحافة ، لم تترك لنا لا .. عطلة رسمية ، ولاعيدا ، كانت الساعة تشير الى الخامسة مساء ، حين وليت وجهي نحو قبلة جديدة ، دلف زميلي عين البر والاحسان الزميل المصور محمود شوكت ، رفيق دربي ، عبر هذه السلسلة المستمرة للعام التاسع على التوالي ، الى السيارة ، لتقودنا في رحلة موعودة ، نحو مخيم حطين ، نصف ساعة تقريبا ، كنا على مشارف المخيم ، الزحام شديد ، الاف السيارات تسير ببطء ، في الشارع الرئيسي امام المخيم ، حتى وصلنا الى الموقع ، اوقفنا السيارة ، وسرنا مشيا ، عبر الازقة الضيقة...وجوه الاطفال فيه تدق بوابات قلبك ، وجوه كبار السن ، بلا مفاتيح ، فهي بوابات مغلقة ، تحوي تلك الاسرار التي خبرها كبار السن في حياتهم ، فهذا عجوز يقترب من حدود الثمانين عاما ، يجلس على كرسي في باحة منزله ، وقد ارخى لخياله الحرية ، سارحا بفكره في هذه الدنيا ، وعصاه الى جانبه يتوكأ عليها ، وله فيها مآرب اخرى ، وامضى حياته عفيفا ، اذا اخرج يمينه ، خرجت بيضاء من غير سوء ، ووجهه نوراني القسمات ، محمدي الصفات....مررت من جانبه ، رددت عليه السلام ، فرد ومعه الاف من مضوا في المخيم..قالوا سلاما سلاما.
طرقت باب العائلة..كانت عائلة من ستة ايتام ، ثلاثة منهم يعانون من اعاقات مختلفة ، طرقت الباب .. او قل طرق باب الايتام قلبي ، قبل ان اكون ، فتحرك الباب ، ببطء ، اطلت علي ام الايتام ، دخلت ، كانت حزينة ، وللحزن في بيتها نبع وعنوان ، تشرب منه ، كل ليلة ، فقد رحل زوجها ، قبل مايزيد عن العامين ، بعد ان عانى من القلب والضغط والسكري ، ووجود ماء في الرئة ، وكان اصلا ، عاجز عن العمل ويتلقى معونة من المعونة الوطنية ، رحل فارس البيت وترجل ، قبل عامين ، فيما بقيت هي مع اولادها الستة الايتام ، حين يعاني احد اولادها وعمره فوق العشرين ، من ضمور العضلات ، وهو لايعمل ولم يدرس ، ويستخدم الكرسي المتحرك ، ويمضي يومه في البيت او في اي زقاق من ازقة المخيم ، واخته الاخرى ، ذات السبعة عشر عاما ، بدأ ضمور العضلات بالتسلل اليها ، وتذهب في ايام للمدرسة ، وتغيب في ايام اخرى ، وفي ايام يرسلونها ويرسلون معها من يحمل حقيبتها ، واختها الاخرى تعاني من ذات المرض ومن الروماتيزم في المفاصل ، وتسير منحنية الظهر ، مريضة ، متعبة وتم اخراجها من المدرسة ، والغريب العجيب ان كل افراد العائلة حين يصلون الى عمر معين يبدأ مرض ضمور العضلات بالتسلل الى العائلة ، واحدا تلو الاخر ، والاخت بحاجة الى ابرتين لانقاذها من مرضها قيمة الابرة الواحدة ستة الاف دينار ، اي انها بحاجة الى اثني عشر الف دينار وفقا للتقرير الطبية ، وفوق كل هذا تعاني العائلة من الديون .. ثلاثة الاف دينار تقريبا موزعة على كل من يخطر ببالكم ، من قريب وبعيد ، والمعونة التي تحصل عليها العائلة من المعونة الوطنية ، تصل في متوسطها الى سبعة وعشرين قرشا يوميا للفرد الواحد ، نعم ياسادة..سبعة وعشرون قرشاهو متوسط الفرد من المعونة يوميا ، فهل تكفي ثمنا لارغفة الخبز ام للدواء ام للباس ام للطعام والشراب .. بماذا يمكن ان يشتري الانسان يوميا بسبعة وعشرين قرشا..حين تكون العائلة محرومة كل هذا الحرمان ، حين يكون لدينا ستة ايتام ، ينامون وسط حرمان شديد ، لاطعام ، لادواء ، لادخل كافيا ، لابيت لهم ، اي حياة تلك التي نعيشها ، حين يكون بيننا ستة ايتام ، يعيش الواحد منهم بسبعة وعشرين قرش يوميا....اي حياة واي عيد واي دنيا..اي حياة بشرية نتحدث عنها ، واي وصايا لرسول الله صلى الله عليه وسلم نطبقها برعاية الايتام حق الرعاية ، وسيدنا محمد الذي كان يتيما ، وذاق طعم اليتم تكفل بأن من يكفل يتيما سيكون واياه في الجنة...اي مطر هذا سوف يسقط..اي عدالة هي تلك نتحدث عنها ، واي كرامة للايتام ، حين يجمعون بين اليتم والفقر والمرض.. انها مأساة حقا ، مأساة مؤلمة ، تغيب عن بال كثيرين ، حين ينام بيننا اطفال ايتام من اعمار مختلفة ، يعيشون وسط حرمان .. لايذوقون طعم المسرة ، ولا الحياة الكريمة ... اليس بيننا الاف الميسورين القادرين على كفالة العائلة وسداد دينها .. اليس بيننا الاف الميسورين القادرين على شراء الابر للفتاة المريضة .. اليس بيننا ميسور واحد قادر على تأمين حياة كريمة للعائلة او بناء بيت لهم ، او شراء شقة لهم ، في اي منطقة كانت...اليس بيننا من هو قادر بأذن الله ، اخراج العائلة من غيابة الجب ، اليس بيننا من هو جندي من جند الله الكرماء ويعرف انه اخرج هذه العائلة من عتمة الليل الطويل الذي دخلت به ، فيه ارضاء لله ، عز وجل ، وفيه استجلاب للنور والرحمة..ألم نعرف ان صدقة السر تمنع ميتة السوء ، وصدقة السر تطفئ غضب الرب..كم من ميسور بيننا قد يكون ابنه او ابنته مريضة ، وفي انقاذه للعائلة هذه رفع للبلاء عن ابنه او ابنته ، وفي حالات اخرى محو للمعاصي والذنوب ، التي كلنا يقع فيها فيترك الله عز وجل الباب مفتوحا للراغب بالتوبة عبر كفالة اليتيم او انقاذ مثل هذه العائلة ... فوق اليتم والحرمان من الاب..يأتي المرض ليحتل جسد ثلاثة اطفال ، وهو ينتظر احتلال اجساد ثلاثة اخرين ، في عمر الورد ، او قل ورد في عمر الطفولة.. فوق اليتم فقر وديون وادوية لاتشترى ، وسبعة وعشرون قرشا ، حصة الفرد اليتيم في هذه الحياة...نصلي كلنا ونصوم ، لكننا عند دفع المال يخشى الغني على ماله ، ويلوذ الفقير بفقره ، غير ان لله جنده الكرماء ، ممن استضاءت قلوبهم بنوره ، بعد ان غسلها "ماء زمزم"حق الغسل وجعلها قلوبا سماوية ، تعرف ان لهؤلاء حقا.
مكثت في البيت وقتا ، كانت الرطوبة في المنزل قاتلة ، معجنهم فارغ من القمح ، حياتهم بلا امل ولامستقبل..وهي ماساة نفردها بين يدي كل ميسور ، وبين يدي من يهمه الامر ، لعل هناك من يؤمن الابر العلاجية لليتيمة ، لعل هناك من يسدد ديون العائلة ، لعل من يكفل العائلة ، لعل هناك ايضا من فيه ذاك العطاء المحمدي ، فيؤمن للايتام بيتا ، او شقة لوجه الله ، بيت يقدمه في الدنيا ، ويجده في الاخرة .. منيرا تنفتح بواباته لاستقباله بسر العطاء الذي كان في الدنيا.
عنوان ام الايتام سيكون متاحا في حال الاتصال بـ (الدستور) حيث ينحصر دورنا باعطاء عنوان الام في حال الاستفسار عبر الايميل او الهاتف ، ولاتتدخل الصحيفة في مجال المساعدات ، ايا كان شكلها او نوعها ، ولاتقبل المساعدات ولاتوصلها ، نهائيا ، وينحصر دورنا بنشر المأساة وفردها بين يدي كل من فيه خير ، وينتهي دورنا عند اعطاء عنوان العائلة لتقوم العلاقة مباشرة بين اهل الخير والعائلة ، دون تدخل منا او وساطة ، بأي شكل كان.
اللهم اشهد اني قد بلغت
ستة ايتام ، يعانون في مخيم حطين بحاجة اليكم ، ستة ايتام ، يعانون من الفقر والمرض والحاجة ، ستة ايتام امانة في عنق كل قارئ وكل مواطن وكل مسافر على متن الطائرة ، وكل مغترب وكل مقيم ، وكل ميسور ، وكل صاحب قدرة ، وكل ميسور او من له قدرة على ايصال هذه المظلمة لمن هو قادر على حلها ، ورفعها ، وتبديد ظلمتها.
اللهم اشهد اني قد بلغت،