هذه المرة..
هذه المرة..تأخذنا "حكايات لايعرفها احد" مرة اخرى ، وتبحر في بحر الاطفال الصغار ، اولئك الذين استنارت قلوبهم بتلك البراءة ، حين تحكي عيون الطفل ، كل الرواية ، فلا تسمعها من لسانه ، فالصمت ابلغ من كل الكلمات ، ولمعة البراءة في عيني الطفل المريض ، لمعة نورانية ، يكاد زيتها ان يضيء ، نور على نور.
هذه المرة..
هذه المرة..تبحر سفينة "حكايات لايعرفها احد"في بحر النجاة ، من جديدة ، هي سفينة النجاة لي ولكم ، حين يكون الحرف خادما للفقراء والمساكين واليتامى والمرضى ، وحين يستنير الحرف بنور الله ، اذا سخرته اليمنى لغاية ربانية ، فالحرف يتقدس ويصبح ماسحا للغبار عن اردية الفقراء ، ويكون ماء الوضوء على قدم كل محتاج ومسكين ومن تقطعت به السبل ، وبغير هذا...ينشق الحرف ، عن الابجدية ، فيتركها ، ناقصة ، ..لا هي لغة كاملة ، ولا هي حروف مبعثرة.
هذه المرة..
هذه المرة..يأتينا طفل عمره ثماني سنوات ، من المنصورة ، في مصر..يأتينا الطفل الصغير ، وقد بلغ به الصمت مبلغا ، فلا هو قادر على النطق ولاعلى شرح ألمه..صدره يجيش بالكثير مما يحب ان يقوله لي ولكم غير انه مثل ملايين الاطفال في عالم العرب ، حين يلاحقهم المرض ، ويفتك بهم الاهمال وقلة الرعاية والفتن والحروب..فمن لم يسط عليه مرض ، سرقه الفقر من سعادته ، والا ..لحقه شأن من هنا او شأن من هناك ليعاني الاطفال ، من كثير من القضايا ، وليخرج هؤلاء ، من مغارة النسيان ، الى دنيا لايعرفونها ، وحياة لايطيقونها ، فنرى في كل رجل وامرأة اليوم ، ذاك الطفل الصغير ، المحروم او الفقير او البائس ، ولنشهد كل هذه الاجيال الخائفة ، المضطربة ، المهمومة ، لسبب او اخر.
«نضال..براءة يستوطنها الألم»
كانت الساعة تشير الى الثانية من ظهر امس ، بعد صلاة الجمعة ، بساعة تقريبا ، كنت في مكتبي ، وانا في انتظار طفل صغير من المنصورة ، يدعى نضال ، عمره ثماني سنوات ، وقد تابعت حكايته ، خلال الفترة الماضية ، دون نشر ، واعرف تفاصيلها الدقيقة ، كنت جالسا في مكتبي ، اتأمل عشرات الصور لاطفال ايتام ومرضى ، واقرأ خلف وجه كل طفل ، حكاية ، وخلف كل مرض ساعات الم ، حين يبكي الطفل المريض من شدة الالم ، فلا يجد معينا ، سوى رب العالمين ، الذي لايرد من يقصده ، ولايخيب رجاء من يدعوه.
لحظات بعد الثانية بقليل ، اطل علي نضال ووالده.. كان نضال يمشي بطريقة صعبة الى حد كبير ، ووالده المتدين ، يرتسم النور في محياه ، ..اطل علي نضال ، وهو يمشي بطريقة صعبة ، اذ انه كان يشكو من ضعف وتشنج في الطرف العلوي الايمن ، والطرف السفلي الايمن ، وذلك نتيجة شلل دماغي تصلبي اثناء الولادة ، نتيجة نقص الاوكسجين عن الدماغ ، وقد اجريت له عملية جراحية قبل فترة قصيرة لتحرير وتطويل اوتار العضلات ، وتطويل وتر اخيل ، وقد اجريت له العملية ، فعلا ، على نفقة محسنين ، ولاينكر الوالد انه اضطر الى جمع كلفة العملية الاولى البالغة الفا وبضعة عشرات الدنانير ، من ايدي الناس ، عبر المساجد.
اجلس الاب نجله نضال ، الى الكرسي وساعده على اتمام عملية الجلوس ، سلمت على الطفل لم يكن يجيد الا بضع كلمات فقط ، ويعاني اساسا من مشكلة التأخر في النمو ، ومن مشكلة في النطق ، وبحاجة الى عملية جراحية جديدة لتطويل القدم اليمنى ، وكلفة العملية ربما لاتتعدى ثلاثة الاف دينار ، بما فيها كلفة استئجار جهاز لتركيبه على الطرف الايمن ، للطفل الصغير ، وعملية تطويل عظم الطرف الايمن ، ضرورية جدا ، لانهاء حالة مشي الطفل بشكل غير سليم ، خصوصا ، ان عملية تطويل الاوتار قد تمت ونجحت ، وانهت حالة التيبس التي كان يعاني منها الطفل.
يحتاج الطفل كذلك الى عملية لتطويل اوتار اليد اليمنى ، وهو بحاجة كذلك الى مركز متخصص للاعاقات ، لتلقي تعليمه ، خصوصا ، انه ذهب ودرس فترة قصيرة في الفصل الاول ، الا انه لم يستطع اكمال دراسته ، جراء خضوعه للعملية الاولى ، وجراء عدم وجود امكانات مالية لدى الاب لتغطية كلفة الدراسة السنوية ، التي بحاجة الى الف دينار سنويا ، تقريبا ، والطفل عمليا يعاني من اعاقة خفيفة ، فهو غير مؤذ وغير عدواني ، على الرغم من ان تقدير مستواه الذهني يشير الى ان عمره الذهني اقل من ست سنوات ، وعمره الحقيقي هو ثماني سنوات.
يعمل والده بائعا للشاي ، في حي شعبي ، وبالكاد يتجاوز دخله المائة دينار بقليل ، يدفع نصفها ايجارا لمنزله ، ويعيش الشهر بأكمله على خمسين او ستين دينارا ، ولديه طفلتان ، غير نضال.. يسكت الاب لحظات قبل ان يجيب على سؤالي حول وضع نضال ويقول..يأاخي اريد ان ارفع امانته عن عنقي ، وانا لااريد مالا في يدي ، ولااتكسب على الطفل ، ولاافعل هذا ، فهذا محرم شرعا واخلاقا ، كل مااريده هو ان يبعث الله من يغطي كلفة عمليته الثانية ، ويدفع للمستشفى مباشرة ، والله كريم ومن عباده من هم كرماء واهل احسان ، واريد من الله عز وجل ان يكرم نضال ، بأن يجد من يغطى كلفة المركز الخاص الذي يتعلم فيه...والله يا أخي انه بركه على الرغم من وضعه ، فأنا لن اتخلى عنه كما يفعل البعض ، كيف اتخلى عنه واتركه وهو امانة في عنقي ، لكنني احار فيما افعل ، وكيف استطيع معالجته وتعليمه ، وانا بالكاد انفق على بيتي ، انني كلما انظر اليه ، ابكي ويحترق قلبي ، فحالته قابلة للتحسن ، لو لقي متابعة واهتماما ، صدقني اصعب شعور في الدنيا ، ان تقف امام ابنك عاجزا ، لاقوة لك ، ولادليل ولا يسعفني سوى الدعاء ، فكم من ليلة نام فيها ، والبراءة شريكة فراشه ، وانا اتقلب في فراشي ، حزنا وكمدا وضيقا ، حتى اشعر ان قلبي يكاد يخرج من صدري ، ضيقا عليه ، فأهرب الى النوم ، وحين اصحو لااجد الا وجه نضال يسألني عن الذي افعله لاجله ، فلا اجيب ، فلا جواب لدي،،،
حكاية نضال حكاية مؤلمة جدا... فعلى الرغم من صورة الطفل العادية الا ان خلفها مأساة كبيرة ، والطفل مريض وبحاجة الى عملية جراحية لتطويل عظم الطرف الايمن ، وتطويل وتر اليد اليمنى ، وبحاجة الى اخصائي لتقويم النطق يتبنى حالته وبحاجة الى مركز للاعاقات ، والاب لايريد مالا في يده ، ولايريد ان يجمع مالا باسم قضية الطفل ، كل مايتمناه ان يرسل الله جندا من جنوده الكرماء ، ممن استنارت قلوبهم بنور الله ، وممن فيهم مروءة ودين واحساس ، من اجل تغطية كلفة العملية في المستشفى ، مباشرة ، وان يكرمه ربه بأبناء الحلال الذين لديهم الرغبة ايضا بتغطية كلفة دراسته وتأهيله السنوية في المركز الذي كان مسجلا فيه ، او اي مركز اخر مناسب لدرجة حالته.
«عين الله لاتنام..عين الله لاتنام»
نقولها كل مرة ، عين الله لاتنام عن كل مظلوم وفقير ومريض ويتيم ومحتاج.. عين الله لاتنام ، فيما تنام اعين الجبناء فقط ، ومن اسودت قلوبهم ، ومن انفقوا عشرات الاف الدنانير من مالهم ، على كل شيئ يغضب الله ، ولم يتذكروا ان هناك من هم اولى ، وقد صدق سيدي رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حين يقول ان صدقة السر تطفئ غضب الرب ، وان صدقة السر تمنع ميتة السوء ، وان الصدقة ايضا تمسح الذنب ، وتزيل الوزر ، وتطيل في العمر ، وتنمي المال اضعاف اضعاف ماهو عليه ، بل ان اغاثة مكروب ، تفك عن الانسان عقدا اخرى يوم القيامة ، واغاثة المكروب ، ترفع عن الانسان ، الغضب والبلاء ، وتستر على اولاده ، في ذهابهم وايابهم ، ونومهم وصحوهم ، وتبارك له من حيث لايحتسب ، ولو تذكر كل واحد فينا ، ان المال الذي بين يديه ، ليس ماله ، وانما مال الله ، وهو امين عليه فقط ، لجعل في ماله الكثير ، لاغاثة المكروب ونجدة المحتاج ومساعدة المريض والله عز وجل يطلب من الناس ان يداينوه ويقرضوه في قوله عز وجل...(من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط واليه ترجعون)....وفي الاية سران عجيبان ، السر الاول ..ان الله هو الذي يرزق الانسان بالمال ، ثم يعود ويطلب دينا او قرضا من مال هو صاحبه اساسا ، وهو مشهد يجعل كل انسان يقف على بساط الخجل والحياء من الله ، فالله يعطيك المال ، ثم يطلب ان تعطيه قرضا من مال هو له اصلا وليس لك ، بل ويتعهد الله بأن يرد المال المقترض اضعافا مضاعفة ، اما عبر المال ومباركته او عبر حفظ حياتك واولادك وعرضك ، وغير ذلك من مكارم ربانية.. اما السر الثاني فنلاحظ الربط بين طلب الله من الخلق بممارسة العطاء ومعنى اسمي الله "القابض والباسط"وكأن المعنى هنا ..اذا بخلت ولم تعط من مالي ، فالرد على البخيل ، هو بالقبض ، اي العسرة وتصعيب امور حياة من لديه مال ولايغيث منه احدا ، ومن هو كريم ينطبق عليه نور اسم الله الباسط ، وكأن الرسالة هنا ايضا ان من يغيث الناس ، يرد الله له فعله بمزيد من البسط والكرم والاحسان ، وهذا هو سبب مانقرأه في نهاية الاية بعد طلب القرض من العبد حين يقول الله في ذات الاية.."والله يقبض ويبسط واليه ترجعون".
عين الله لاتنام...نعم عين الله لاتنام ، وفي خلقه من هو جند من جنوده ، ومن هو صاحب خلق كريم ، وسيرسل الله من اهله من هو قادر باذنه على حل مشاكل نضال. اللهم اشهد اني قد بلغت. اللهم اشهد اني قد بلغت.اللهم اشهد اني قد بلغت.
الدستور الأردنية