هذه المرة..
هذه المرة..تقودنا كل الدروب الى الجنوب ، حيث الكرك ، الجالسة في حضن الشمس ، وفي الطريق الى الجنوب ، تستفيق فيك كل الصور الغافية في عين النسيان ، حين يكون الجنوب اول الفتح ، واول الدولة ، وسرها الذي لايغيب ، تحت وطأة العاديات او الفقر ، ففيه رجال اوفياء ما بدلوا تبديلا.
هذه المرة تأخذك كل الدروب الى الجنوب ، حين يكون الفقر سيفا مزروعا في خاصرة الناس ، لم تزرعه الا الايام ، ووجوه اولئك الذين اشاحوا بوجوههم عن الناس ، حتى بات الجنوبي بين امرين ، اما القبض على الجمر ، من اجل وطنه ، واما القبض على الجمر من اجل وطنه ، فلا خيار اخر ، فتلك الرؤوس ، ليست ككل الرؤوس ، وتلك الوجوه الملثمة ، ماأخفت خلفها الا ذات سر قلبها..سر الوفاء للوطن ، مهما كانت تقلبات الدنيا ، ومصاعبها.
هذه المرة..
هذه المرة ، نولي وجوهنا نحو قبلة نرضاها ، نحو الجنوب ، حيث ذات الدرب يأخذك الى "الكعبة"والى القبلة التي نصلي اليها ، فتكون طريقنا الى هناك عبادة ، وسعينا سنة ، ونزولنا قيام ليل ، فكل الدروب تأخذك الى الجنوب ، وكل المواقيت ، تضبطها الدنيا على ساعة الجنوب ... ساعة الشمس والقمر ، حين لاتخونك هذه الكواكب ، حتى في عز انتثارها ، وخسوفها وكسوفها ، على حد سواء.
في الطريق الى الكرك
اطفال الجنوب ، قصة تستحق ان تروى ، فهناك في مدن الجنوب ، تغيب الطفولة ، والحرمان ، سيد المكان ، على الرغم من كل الخطط التي يتم وضعها ، وتلك الخطط التي سيتم وضعها ، والطفل الجنوبي ، مثل الزيتونة المباركة ، لا شرقية ولا غربية ، يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار ، نور على نور.
ولان اطفال الجنوب ، في الطريق الى الكعبة ، فهم جزء من قبلتنا ، ودعاء الواحد فينا ، يأتي ناقصا ، مالم يتذكر ان الطفل الجنوبي هو "ابو الحروف"وبغيره لاتكون الحروف ، الا معكوسة ومقلوبة ، وعبر الطريق الى الجنوب ، كنت اسأل نفسي ، عن الفرق بين الوضوء والتيمم ، وعن الفرق عن الازدهار في عمان ، والازدهار في الكرك ، فما وجدت اجابات شافيات ، غير اني لمحت طيف جعفر بن ابي طالب ، يأتيني من المزار ، على صهوه فرسه وهو الملقب بـ (ابو المساكين) ليشق بسيفه النهر المالح ، وليفتح طريقا لكل فقير ومحتاج ، قائلا ..لا تخش غرقا ، من سر قد اوتيت سؤلك ياموسى ، ولقد مننا عليك مرة اخرى.
كانت الماساة هذه المرة صعبة وقاسية للغاية ، اذ تعيش عائلة في منزل بسيط جدا ، تم استئجاره في منطقة مجدولين - القصر ، مقابل ستين دينارا شهريا ، والعائلة مكونة من ثمانية افراد ، منهم ثلاثة اطفال لايسمعون وبحاجة الى زراعة قواقع الكترونية ، والاطفال هم تبارك وعمرها اربع سنوات ، عبدالرحمن وعمره عامان وبضعة شهور ، وهديل وعمرها تسع سنوات ، والاطفال الثلاث لايسمعون ، وهم بحاجة الى زراعة قواقع الكترونية ، والعائلة تعيش وسط ظروف مالية صعبة جدا ، فالاب بلا عمل ، وقد اجرى عملية لقلبه ومنذ ذلك الوقت بلا عمل ، والعائلة كانت تتلقى معونة من التنمية الاجتماعية الا انه تم قطعها تحت عنوان ان هناك معلومات ان الاب يشتغل ، مما دفع التنمية الى وقف الراتب ، وايا كانت المبررات ، فنتركها لمن اتخذ القرار ، وما يهمنا اليوم ، هو وضع العائلة الماساوي اقتصاديا واجتماعيا ، ووضع الاطفال الثلاث الذين لايسمعون ، ويعيشون في ظل ظروف من الحرمان والقسوة ، لايعلم بهم الا الله ، والعائلة غارقة في الديون ، والاب يحمل ديونا تقدر بألفي دينار ، وهو اليوم ، لا يجد قوت يومه ، حتى ايجار منزله يدفعه من يد بعض اقاربه.
تأثرت للغاية على وضع الاطفال الثلاث ذوي الوجوه الحسان ، وتأثرت حين عرفت ان الحرمان هو غطاء فراشهم ، حين يتوسدهم الفقر ويحتل عيونهم ، ولايترك لهم بهجة ولامسرة ، فأي حياة هي تلك يعيشها الاطفال وهم لايسمعون ، ولماذا لاتحل لدينا مشكلة القواقع الالكترونية بشكل جذري وعملي ، ولدينا الاف الاطفال الذي هم بحاجة الى قواقع من اجل استعادة السمع ، ومن اجل حل هذه المشكلة الكبيرة ، وقد قلت مرارا ان كلفة القوقعة المرتفعة بحاجة الى حل جذري تماما ، وطالبت مرارا بان يتم انشاء صندوق وطني للقواقع ، تتبرع له الدولة بمبلغ مالي ، ويتم دعمه عبر القطاع الخاص ، وان نضع الية محددة له من اجل الاستمرار ، اذ ليس معقولا ان يعاني الاف الاطفال في الاردن ، من مشكلة عدم السمع وحاجتهم لقواقع ، فيما نحن نتفرج عليهم ، او نعدهم ان الحل هو في المستقبل الواعد ، حتى كأنني اجزم ان الكل لايسمع وقد اصيب بالصمم ، فيما هؤلاء الاطفال هم الذي يسمعون حقا ، يسمعون بنور قلوبهم ، وببصيرة ربانية لاشبهة فيها ولاالتباس...ربما هي نعمة من الله ان لايسمع هؤلاء ، حتى تبقى ضمائرهم نقية ، ولاتلوث الايام ، ضمائرهم من اللغو والفساد وماخلفهما من قيم ومعان.
طفولة على خط النار
ملف القواقع الالكترونية ، بحاجة الى حل جذري ، فهذه اعاقات عملية وفعلية ، والطفل الذي يتم اهماله يتم ارساله الى المستقبل في ظل هذه الظروف الصعبة ، حين نخسره كانسان منتج وفاعل وعملي ، على الرغم انه بالامكان ان نحل مشكلته مبكرا ، حتى لو كانت كلفة القوقعة مرتفعة ، ولعل المرء يعجب بصراحة من هذا الاهمال الذي يلاقيه اطفال الناس ، والذي تلاقيه كثرة مهمشة ، دون سبب واضح ، سوى ان لاواسطة لهم ، ولايد متنفذة تأخذ بأيديهم نحو الحل ، ومثل تبارك وعبدالرحمن وهديل يسألون اليوم اصحاب القرار وكل ميسور عن حياتهم وعن حقوقهم ، وعن هذه الحياة التي يعيشونها ، والى اين يذهبون ، وباب من يطرقون .... ألن تنتهي ثقافة الرجاء والتوسل وكتابة الاستدعاء تلو الاستدعاء ، هل هذه الثقافة مفيدة ، ام انها ستنتج ضمائر غاضبة ، لاتنام في ليلها ولاتعيش نهارها....انها مأساة حقيقية وصعبة ومؤلمة جدا ، حين يعاني ثلاثة اطفال في احدى قرى الكرك من هذه الماساة ، ومثلهم ايضا يعاني الاف الاطفال ، في كل مناطق المملكة ، من الفقر والحرمان والمرض ، وقد كان الاولى بدلا من رسم الشعارات والتنظير ، الذي لم يعد يسمعه احد ، او يثق فيه احد ، ان يتم حل المشاكل جذريا ، واطلاق مبادرات لانقاذ الاف الاطفال من هذه المحن التي لايستحقونها ، بالاضافة الى الفقر الذي يعصف بالعائلات والاسر ، حين نصل الى مرحلة يتساوى فيها العامل مع العاطل ، فكلاهما لايعيش حياته كما يجب.
في تلك القرية المنسية ، في تلك القرية النائية ، يغفو ثلاثة اطفال في ظل مظلمة مؤلمة ، وفي ظل فقر ، ومنزل لايليق بالبشر ، الاب مريض وغارق في الديون ، والعائلة بحاجة الى من ينقذها ويساعدها ، على الاقل بانقاذ الاطفال الثلاثة ، وتركيب قواقع الكترونية لهم ، مساعدة العائلة في حياتها ماليا واجتماعيا ، وهي انموذج للحرمان والبلاء الحقيقي ، وهي دعوة مفتوحة اليوم ، نضعها بين كل الناس..كل قارئ ومهتم ومن فيه خير وكرامة ومروءة ، لانقاذ الاطفال الثلاثة ومساعدة العائلة ، بشكل جذري حقيقي ، من اجل ان لانبقى نكافح الفقر بالكلمات ، ولا المرض بكلمة ..الله يعينك ، فالله عز وجل امر بأخذ الاسباب والتوكل عليه ، لا على الاسباب ، فيما نحن نعيش على المسكنات ، التي ماعادت تنفع ، ولاتزيل الما ولاحيرة.
اللهم فاشهد اني قد بلغت