في الزمن البعيد، وبالتحديد في العصر التوراتي، عُرف اليمن باسم "الشيبة"، ولاحقًا في العصر الروماني، عرف هذا البلد الآسيوي باسم "فيلكس العرب"، أي اليمن السعيد، وذلك بسبب المساحات الطبيعية الكبيرة.
ومؤخرًا، تعالت أصوات عديدة في البلاد تطالب بإعطاء الأطفال حقوقهم، وفي المقدمة، حقهم بعدم الزواج إلا بعد وصولهم للسن القانوني.
فبسبب الوضع الاقتصادي للبلاد، وانعكاس ذلك على اليمنيين أنفسهم، يقوم عدد كبير من الأهالي بتزويج بناتهم في سن صغيرة، وذلك للتخلص من أعبائهن المالية.
إلا أن هناك عددًا من الفتيات اللاتي أبين الخضوع لمثل هذه العادات، وقررن التحدث إلى العالم عبر العدالة والإعلام حول ما تعانيه النساء في اليمن جراء ممارسة عادات وتقاليد عفى عليها الزمن.
إحدى هؤلاء الفتيات هي نجود علي، التي وبعمر العاشرة تزوجت وطلقت، وقررت الحديث عن تجربتها، والتي تحكيها وكأنها فيلم سينمائي طويل.
تقول نجود: "عندما أرغمت على الزواج كنت خائفة للغاية، ولم أكن أريد ترك إخوتي وأخواتي وأمي وأبي".
والعائلة التي لم ترغب نجود في تركها كانت السبب الرئيس في إرغامها على الزواج برجل يكبرها بثلاثة أضعاف عمرها.
وتضيف نجود: "لم أرغب في النوم مع ذلك الرجل، إلا أنه أجبرني على ذلك، وقام بضربي وإهانتي".
والدة نجود، حاولت الدفاع عن نفسها وزوجها، فقالت: "عندما سمعت ما قالته نجود، اشتعل قلبي حرقة على صغيرتي، فلم يكن من المفترض أن يجبرها زوجها على النوم معه".
أما والدها، فيقول: "لقد كان مجرمًا بالفعل، فقد آذاها بطرق شتى، ولم يفِ بوعده لنا في ألا يقربها حتى تصبح في العشرين من عمرها".
ولكن في النهاية، لم يكن في يد الوالدين أي حيلة، فنجود الآن هي ملك لزوجها فقط، كما يقولان.
وقصة نجود ليست الوحيدة في اليمن، فهناك آلاف الآباء الذين يتبعون العادات والتقاليد القبلية، ويزوجون بناتهم قبل سن العشرين.
هذا ما تؤكده مجموعة العون الدولية "أوكسفام"، حيث تقول إن أكثر من نصف الفتيات في اليمن يتزوجن قبل سن الثامنة عشر من رجال يكبرهن بأعوام كثيرة.
إلا أن السبب الآخر خلف هذه الزيجات المبكرة، كما تقول "أوكسفام" هو خوف الأهل من العار أو الفضيحة في أن تهرب ابنتهم مع شخص ما، وتجلب العار للعائلة.
وتقول سهى باشرم، من أوكسفام: "هناك خوف دائم لدى العائلات في اليمن في أن تجلب الفتاة العار لأهلها، كأن تهرب مع أحدهم، أو أن تقيم علاقات مع شباب خارج إطار الزواج".
وتؤكد سهى أن مثل هذه المشاكل تشكل بحد ذاتها كارثة عالمية، وأوكسفام بالتالي تحاول مساعدة هؤلاء الفتيات عبر منع هذا النوع من الزواج، أو بمحاولة منع العنف الناتج عنه.
وترى سهى أن هناك العديد من المجتمعات التي بدأت بالتخلص من هذه العادات، إلا اليمن، لأن اليمنيين يرون أن هذا الزواج واجب على الفتيات لتأمين مستقبلهن.
وتقول سهى: "بالنظر إلى قضية نجود، سنرى أن اليمنيين لا يعتبرون هذا الزواج خطأ، وأن ما لقيته الطفلة من تعذيب وإهانات هو أمر طبيعي بالنسبة إلى الفتيات في اليمن".
المبهر في قضية نجود هو أنها لم تصمت كغيرها، بل قررت التحدث عن تجربتها، والخروج للعلن، ليعرف العالم بأسره ما تعانيه، وغيرها من الفتيات في اليمن.
فبعد كل ما واجهته نجود من تعذيب، قررت، وبإذن من والديها، الذهاب إلى المحكمة العليا في اليمن، ودخلت إحدى قاعات المحاكم، وجلست على كرسي، وطلبت لقاء أحد القضاة لتخبره بمشكلتها.
وتقول نجود: "عندما رآني القاضي سألني: ماذا تريدين؟ فأجبته أنني أريد الطلاق، فرد علي باستغراب: هل أنت متزوجة؟ فقلت له نعم."
ما حدث بعد ذلك هز المجتمع اليمني بأسره، فقد تم حبس الزوج والأب حتى موعد النطق بالحكم، لتضمن المحكمة عدم هربهما. بينما بقيت نجود في عهدة محامية تدافع عن حقوق المرأة في اليمن، لضمان سلامتها.
هذه المحامية، التي تدعى شذى ناصر، تحدثت لشبكة CNN، عن تجربة نجود المؤلمة، فقالت: "لقد تم سلب نجود جميع حقوقها.. فهي لا تملك الحق في الدراسة، ولا الحق في العيش كطفلة. لذا طلبت من تلك الصغيرة ألا تخاف، لأنها على حق، وسنضمن حصولها على جميع حقوقها".
في النهاية، حصلت نجود على حريتها بالطلاق، وتنازلت عن جميع ما تملكه لزوجها، الذي خرج بعد ذلك طليقًا.
وتقول نجود: "لقد فعلت ذلك حتى يسمعني الناس، ويفكروا قبل تزويج بناتهم في سن صغيرة".
وحاليًا، لا تركض نجود كغيرها من الأطفال في شوارع صنعاء، ولا تلعب بالألعاب في الخارج كبنات سنها، فالمجتمع من حولها لا يزال يرى أنه ما كان عليها فعل ما فعلته، لأنها وببساطة تحدت مجتمعًا بأكمله.
ولعل أبرز أمنيات نجود هو أن يصلح حال الأطفال في الجيل القادم، وبالطبع ألا يطرق باب بيتها أي عريس، لأنها قررت عدم الزواج أبدًا.
ويذكر أن اليمن يعتبر من الدول الفقيرة في منطقة الشرق الأوسط، حيث أن أكثر من ثلثي السكان هم تحت سن الخامسة والعشرين.