هذه مأساة جديدة ، من تلك المآسي التي تغفو في البيوت ، وتختفي خلف الوجوه ، هي مأساة مؤلمة لعائلة قد لاتجد طعام يومها جراء الديون ، وجراء عمر رب العائلة البالغ ستة وستين عاما.
يبكي الرجل حين يروي مأساته ، واذا كانت هذه المأساة موجودة في بيوت كثيرة ، فهذا لايعني الا السعي من اجل مساعدة العائلة ، في ظل الغلاء الكبير والفقر الذي لايرحم ، وفي ظل ظروف الناس الصعبة ، حين تقرأ على وجوه الناس ، هذه الهموم ، على مشارف المدارس وشهر رمضان والاعياد والشتاء ودخول الكليات والجامعات ، وحين نعرف ان كثرة ممن تعمل ، بالكاد تأتي معجنها بالخبز ، يبكي الرجل تأثرا ويرجوني ان لا انشر اسمه واسم عائلته ، حرصا على سمعة العائلة ، وهو امر يحق له بطبيعة الحال.
تتكون العائلة من عشرة افراد ، ويعيشون في بيت مستأجر بمائة دينار ، كانت الايجارات قد تراكمت على البيت لعدة شهور ، حتى تمكنت العائلة ، من سداد الايجار المتراكم في النهاية ، غير ان فواتير الكهرباء والماء على العائلة ، غير المدفوعة تصل الى الف دينار ، ولاتجد العائلة اصلا مالا من اجل انفاقها ، حين نعرف ان احد ابناء العائلة مديون بقرابة اربعة عشر الف دينار ، ورب العائلة لديه ابنان اخران يعملان ، رواتبهما تذهب سدادا لقروض الاخ الاخر ولايستفيدان شيئا من هذه الرواتب التي كانت ضامنة لقروض الاخ ، لنشهد بكل بساطة وضعا مأساويا ، فالاب البالغ من العمر ستة وستين عاما يقول انه مستعد للعمل ، لكن لااحد يريد تشغيله ، وهو وصل الى مرحلة لم يبق فيها امامه الا ان يتسول في الشوارع ، قائلا ان بيته في اسوأ حالة ، وهو مهدد بالطرد من المنزل كون الايجار الذي تراكم وتم دفعه في وقت سابق قد يعود للتراكم في وقت لاحق.
مثل هذه العائلة لدينا عائلات كثيرة ، وحين ينشب الفقر بأظافره ظهور الناس ، لايبقى لهم سوى التقلب في فراش اليأس والحيرة ، فالدنانير القليلة التي يأخذها اي عامل اليوم لاتكفي اجور مواصلات ووقود وسجائر وموبايلات ، فمن اين تنفق الاف العائلات ، وماهو الحل الجذري لمشكلة الفقر المتزايد ، وقد كنت دوما اكتب عن الفقر ، ولم اتوقع في حياتي ، ان ارى الفقر يعم كل مكان ، ويصبح الدينار.. وجوده وعدم وجوده سيان ، ولدينا انموذج هنا لديه ابناء يعملون لكن رواتبهم مرهونة ، فالذي يشتغل والذي لايشتغل ، تساوى حالهما ، حتى كدت اقول للاب.. ماالفرق حتى لو لم تكن رواتبهما مرهونة ، اذ انها بالكاد اليوم تغطي التزامات شخصية لذات من يعمل فكيف بالتزامات عائلة كبيرة.
هي مأساة ، حين يبحث رجل في مثل عمره عن حياة كريمة فلا يجدها ، وحين يكشف ايضا ان لديه ابنة مطلقة ومعها طفلان يعيشان في ذات البيت في ظل ظروف صعبة للغاية ، ويضيف الرجل: لقد فكرت بالتسول لكن كرامتي وانسانيتي لم تسمحا لي ، وانا ليس لي تقاعد ولا ضمان اجتماعي ، ومن اين انفق على عائلة معظمها بنات ، وبحاجة الى ان اقدم لهن كل شيء ، ومن اين اسدد فواتير الكهرباء والماء ، ومن اين انفق على عائلتي ورمضان على الابواب ، والمدارس على الابواب ، والالتزامات لاتتوقف ، دلني على الجواب ان كان لديك اصلا.
يحزن المرء على رجل في مثل عمره ، حين يواجه كل هذه المشاكل ، واذا كنا نفترض ان يرتاح الاباء في مثل هذا العمر ، فان صاحبنا تعانده الايام ولاتريده له ان يرتاح ابدا ، فكل هذه الهموم تنهمر على رأسه وهو لا يعرف كيف يواجه هذه المشاكل ، ولاكيف يحلها ، وهي مأساة بحاجة الى ابناء الحلال ،
مثل هذا الاب كثرة من الاباء يعانون ، وكثرة من الابناء يعانون ايضا ، ومثل هذا الاب كثرة يعانون ، واولادهم يتركونهم في حالات العقوق ، وهي ذكرى لنا لنتذكر ان نقبل جباه الاباء والامهات في هذا الصباح ، وان نتذكر انهم يستحقون منا برا وتكريما ، لعل الله عز وجل ان ينعم علينا بشيخوخة كريمة.
عين الله لاتنام ، عن كل مظلوم وفقير ويتيم ومحتاج ، حقا عين الله لاتنام.
التاريخ : 29-07-2008