ها هو الجوع لا يصوم في الأغوار ولا يعرف راحة، الجوع يسرح ويمرح في أبنائه، من يمرّ مرور الكرام في شوارع الغور.. ويرى النساء المتكوًّمات عند الجمعيّات الخيريّة وعند مراكز توزيع الطرود والهبات والصدقات.. يعتقد أن في الغور مجاعة،
نساء من شتّى الأصناف.. منذ بواكير الصباح يترمّين هنا وهناك: لسدّ حاجة عائلة بالتموين لا تكفي ليومين، ويلّ لحظًّك يا غور.. أما آن لنسائك أن يعشنَ مُعزَّزات مُكرّمات، روتْ لي امرأة ودموعها تُبلًّل المكان وصوتها يتشنّج حتى يكاد لا تتضًّح مخارج الحروف فيه.. والوقت بعد صلاة التراويح.. قالت أنها للآن لم تفطر من صيامها، ولمّا سألتها: ليش؟ ازدادت حدّة بكائها.. ولهيب نشيجها وقالت: أستنّى بالخبز لمّا يَطرى، فقلتُ لها مندهشاً: وكيف يطرى؟ قالت: جمًّعتْ خبز (إمْقَرْقًطْ) من هون وهون.. وبللتو بالمَيَّة؟،
يا إلهي.. هل نحن في الأردن.. وهل الأغوار من الأردن؟ هل تعتقدون أن هذه الحكاية انتهت لحدّ هنا؟ لا والله.. فمن عجيب ما سمعتُ منها.. أنها كثيراً ما تؤجًّل وجبة الافطار هي وأبناؤها: إلى السحور.. وماذا يكون السحور؟ بيضة، نعم بيضة واحدة.. لسحور عائلة بخبز (إمْقَرْقًطْ)،
ملعون أبو القرقطة، هذا نموذج واحد يا أهل رمضان من عائلات كثيرة لا يعلم عنها أحد في الأغوار.. في الكرامة.. في الجوفة.. في الجواسرة.. في السكنة.. في الشونة.. في النهضة.. في وفي وفي.. عداك عن باقي مناطق الأغوار، عائلات.. لا تترمّى من الصباح حتى المساء بانتظار صدقة قد تأتي أو لا تأتي، عائلات.. لو قطّعتها إرباً إرباً.. لما وقفتْ في طوابير انتظار الفضيحة.. وتحت مُسمّى (العائلات المستورة).. أي سترْ في فضيحة العطاء الذليل؟
يا أهل رمضان.. يا أهل الكبسة والمقلوبة والمنسف.. وقمر الدين والقطايف، نعم.. خُبز مقرقط.. أعرفه وأحفظه.. رفيقي لسنوات.. ولكنه رفيق الأغوار المخلص.. الرفيق الذي لا يغادر صاحبه، فمن يساعد الأغوار على فضّ هذه الرفقة؟ من ينقذ الأغوار من القرقطة.. ومن النوم في الشوارع لفضيحة الرزق؟ من يكشف عن نفسه ويساعد أؤلئك الذين لا يعلنون عن أنفسهم ولا يلهثون خلف الذل والمهانة اليوميّة؟،
لك الله يا أغوار.. ولك الخبز المقرقًط.. ولك بيضة واحدة.. لا تفطر عليها.. بل تؤجًّلها للسحور.. كي تفطر عليها عائلة بأكملها.. وممكن جداً يزيد من البيضة.. فيلفّ الباقي على عائلات أُخرى.. مستورة حقّاً.
التاريخ : 08-09-2008
كامل نصيرات